كيف ترتبط الذاكرة و النوم ؟


 

درس العلماء و الباحثون العلاقة بين الذاكرة و النوم لأكثر من 100 عام.

و الإجماع العام اليوم هو أن تقوية الذاكرة -عملية الحفاظ على الذكريات الرئيسية و التخلص من المعلومات الزائدة- تحدث أثناء كل من حركة العين غير السريعة (NREM) و حركة العين السريعة (REM) من دورة النوم لديك.

تشير الدراسات الحديثة أيضاً إلى أن النوم غير الكافي و المفرط يمكن أن يؤثر على معالجة الذاكرة و على العمليات الإدراكية الأخرى.

و بالتأكيد لا تُعزِّز الراحة أثناء الليل صحة بدنية جيدة فحسب ، بل تُمكِّن أيضاً أدمغتنا من العمل بشكل صحيح ، لذا فإن الحصول على القدر الموصى به من النوم كل ليلة هو مفتاح تقوية الذكريات.


كيف ترتبط الذاكرة و النوم؟

النوم و الذاكرة يتشاركان في علاقة معقدة. إذ يساعدك الحصول على قسط كافٍ من الراحة و النوم، على معالجة المعلومات الجديدة بمجرد استيقاظك. كذلك يمكن للنوم بعد التعلم أن يدمج هذه المعلومات في الذاكرة ، مما يسمح لك بتخزينها في دماغك.

تتكون دورة نوم البالغين الأصحاء من أربع مراحل متميزة.

إذ تعتبر المرحلتان الأوليان من نوم NREM الخفيف ، و الثالثة هي نوم NREM العميق (أو "الموجة البطيئة").

و هذه المراحل الثلاث تعد دماغك لتعلم معلومات جديدة في اليوم التالي.

و يمكن أن يؤدي عدم النوم أو الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى تقليل قدراتك التعليمية بنسبة تصل إلى 40٪.

خلال مراحل حركة العين غير السريعة هذه ، يقوم الدماغ أيضاً بفرز (تصنيف) ذكرياتك المختلفة من اليوم السابق ، و تصفية الذكريات المهمة، و التخلص من المعلومات الأخرى.

و ستصبح هذه الذكريات المختارة أكثر واقعية مع بدء نوم حركة العين غير السريعة ، و ستستمر هذه العملية أثناء نوم حركة العين السريعة. 

كذلك تتم معالجة الذكريات العاطفية في مرحلة حركة العين السريعة ، و التي يمكن أن تساعدك على التعامل مع التجارب الصعبة.

و لعلمك تحدث معظم الأحلام في مرحلة نوم الريم (حركة العين السريعة) REM.

حيث ينقل مهاد الدماغ الإشارات من حواسك الخمس إلى القشرة الدماغية ، و هي طبقة رقيقة من المخ تفسر و تعالج المعلومات من ذكرياتك.

و يكون المهاد غير نشط إلى حد كبير خلال مراحل حركة العين غير السريعة ، و لكن عندما يبدأ نوم حركة العين السريعة ، فإنه سينقل الصور و الأصوات و الأحاسيس الأخرى إلى القشرة الدماغية التي يتم دمجها بعد ذلك في أحلامك.


كيف يؤثر الحرمان من النوم على وظائف المخ و الذاكرة؟

قد يعاني الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم من آثار الحرمان من النوم. و تعتبر صعوبة تذَكُّر الأشياء هو أحد الأعراض الشائعة. 

نظراً لأن الدماغ لا يملك الوقت الكافي لإنشاء مسارات جديدة للمعلومات التي تعلمتها مؤخراً ،

فغالباً ما يؤثر الحرمان من النوم على كيفية توحيد الذكريات. حيث تشمل التأثيرات المعرفية المحتملة الأخرى صعوبة التعلم و التركيز ، و مهارات اتخاذ القرار المنخفضة ، و ضعف التحكم العاطفي و السلوكي.

و يعتمد مقدار النوم الذي يجب أن تحصل عليه كل ليلة إلى حد كبير على عمرك.

فبالإضافة إلى البالغين ، خلصت الدراسات إلى أن الأطفال يتمتعون بتقوية أقوى للذاكرة  بعد نوم جيد ليلاً. و مع ذلك ، يمكن أن يؤدي النوم المفرط أيضاً إلى ضعف الإدراك. 

و بالتالي يجب على كل شخص أن يسعى جاهداً للحصول على القدر الأمثل من النوم ليلاً ، حيث أن القليل أو الكثير من النوم يمكن أن يكون له تداعيات سلبية.

من ناحية أخرى، وجدت بعض الدراسات أن جودة النوم تنخفض مع تقدم العمر. و هذا مرتبط بنوم الموجة البطيئة slow-wave sleep.

إذ يتم إنتاج الموجات البطيئة في منطقة من الدماغ، تعرف باسم قشرة الفص الجبهي الإنسي.

و ستتدهور قشرة الفص الجبهي الإنسي بمرور الوقت ، و نتيجة لذلك ، يعاني كبار السن عادةً من نوم موجات بطيئة أقل أثناء دورة النوم العادية و يواجهون -كذلك- صعوبة في معالجة الذكريات.


توقف التنفس أثناء النوم و فقدان الذاكرة

نظراً إلى أن النوم أمر بالغ الأهمية لتكوين الذكريات و توطيدها ، فإن بعض اضطرابات النوم ترتبط بمشاكل في الذاكرة.

و يُعرَّف الأرق Insomnia بأنه الصعوبة المستمرة في بدء النوم أو الحفاظ عليه ، و من المعروف أنه يسبب ضعفاً إدراكياً أثناء النهار بما في ذلك ضعف أداء الذاكرة. 

كذلك يمكن لاضطرابات النوم التي تؤدي إلى النعاس المفرط أثناء النهار مثل النوم القهري، أن تسبب هفوات (زلَّات) في الذاكرة.

من ناحية أخرى قد يؤدي أحد الاضطرابات ، و هو انقطاع النفس النومي sleep apnea، إلى تعزيز فقدان الذاكرة.

حيث يتميز انقطاع النفس النومي بالانقطاع المؤقت لمجرى الهواء أثناء النوم مما قد يتسبب في اختناق الأشخاص أو تلهثهم بحثاً عن الهواء. 

يعتبر الشخير الشديد و النعاس المفرط أثناء النهار، من الأعراض الشائعة الأخرى لانقطاع النفس النومي.

يعيش أكثر من 900 مليون شخص، في جميع أنحاء العالم مع انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA obstructive sleep apnea) ،

و هو نوع فرعي من اضطراب النوم، الذي يحدث عندما يعيق الانسداد الجسدي مجرى الهواء. و يرتبط OSA منذ فترة طويلة بالاكتئاب المزمن. 

حيث أنه غالباً ما يواجه الأشخاص المصابون بالاكتئاب وقتاً عصيباً في معالجة الذكريات ، و تحديداً ذكريات السيرة الذاتية التي تتعلق بتجاربهم الخاصة. و قد أظهر الأشخاص الذين يعانون من OSA أيضاً صعوبة في تقوية الذاكرة.

و قد أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي سعت إلى استكشاف العلاقة بين OSA والاكتئاب من حيث معالجة الذاكرة،

أن الأشخاص الذين يعانون من OSA كافحوا لتكوين ذكريات دلالية ، أو حقائق فردية من تاريخهم الشخصي ، أكثر من المجموعة الضابطة. 

 و هذا ليس مفاجئاً لأن النوم الصحي ضروري لتعزيز الذكريات الدلالية بشكل صحيح ، كما أن OSA يتسبب في تفتيت النوم الذي يتداخل مع دورة النوم.

و من المثير للاهتمام ، أن انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA) لم يؤثر على ترسيخ الذكريات العرضية - أو تلك المتعلقة بالأحداث و التجارب - بالقدر نفسه.

كذلك تشير هذه النتائج إلى أن انقطاع النفس النومي يمكن أن يتداخل مع عملية تقوية الذاكرة ، مما يجعل الناس يواجهون صعوبة في تذكر بعض ذكريات حياتهم.

و مع ذلك ، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف فيما إذا كان انقطاع النفس الانسدادي النومي يؤدي إلى مشاكل الاكتئاب و الذاكرة ،

أو إذا كان انقطاع النفس الانسدادي النومي و الاكتئاب يؤثران بشكل مستقل على تقوية الذاكرة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال