الدرس الوحيد الأكثر أهمية عن السعادة


 

نعرض عليكم اليوم،  الدرس الوحيد الأكثر أهمية من دراسة مطولة لجامعة هارفارد عن السعادة

و هي الدراسة الأشمل التي أجريت حول السعادة على الإطلاق...

نحن البشر معقدون للغاية . و تعتبر السعادة من أكثر المشاعر التي نمر بها تعقيداً ، و غالباً ما تكون حياتنا في حد ذاتها سعياً لكشف معناها.

و لاشك أن  كل فرد  يمتلك تعريفه الخاص لمفهوم السعادة.

فنحن نعيش و ننمو ونتطور ، و بالطريقة التي نفعل بها هذا يتغير تعريفنا للسعادة.

و يذكر أن باحثون من جامعة هارفارد قاموا  بتحليل المزيد من البيانات العلمية لمعرفة ما الذي يجعل الناس سعداء حقاً.

و بعد أن عملت كباحث في العلوم على مدى السنوات الأربع الماضية ، أصبحت الآن متشككاً بعض الشيء في كلمة "علم" ، ذلك أنني أراها تنتشر في كل مكان هذه الأيام.

و غالباً ما يعتمد البحث العلمي على بعض الافتراضات التي لا تترجم بطريقة جيدة على أرض الواقع.

لقد كان لدي الكثير من الشكوك عندما صادفت هذه الدراسة.

حيث أنني قمت بمراجعة الافتراضات التي توصلوا إليها ، و حجم العينة التي أخذوها ، وأي تحيزات قد تكون تسللت إلى بحثهم.


أهمية هذا البحث؟

تجدر الإشارة إلى أن جامعة هارفارد كانت قد بدأت  هذا البحث في عام 1938 ، و قد أمتد إلى نحو 80 عاماً.

و قاد تلك الدراسة الدكتور روبرت والدينجر Robert Waldinger ، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد وهو رابع مدير يقود هذه الدراسة بأكملها.

و على مدار 75 عاماُ، تابعوا حياة ما يقرب من  724 رجلاً ، عاماً بعد عام ، و وثقوا حياتهم المهنية ، و حياتهم الشخصية، و ظروفهم. 

و لم يكن لدى أحد أي فكرة على الإطلاق عن الكيفية التي ستنتهي بها حياة هؤلاء الأشخاص الذين خضعوا للتجربة.

و المشاركون ، الذين كانوا جميعاً مراهقين عندما بدأوا تلك التجربة، كانوا قد شغلوا عدداً لا يحصى من الوظائف - من عمال المصانع والمحامين إلى البنائين والأطباء ، حتى أن أحدهم أصبح رئيساً للولايات المتحدة.

حيث صمم الأكاديميون لجمع بيانات موثوقة ، استبيانات مفصلة و تابعوها بمقابلات ودية مع المشاركين في غرف معيشتهم.  

كما قاموا بجمع السجلات الطبية للمشاركين و تحدثوا إلى أطفالهم و زوجاتهم. 

و كانوا يقومون في بعض الأحيان ، بتصوير جلسات عميقة و صادقة للرجال مع زوجاتهم.

و كنت مقتنعاً من اجتهاد القائمين على هذه الدراسة، أنها لم تحتوي فقط على الحكايات والطرائف في حياتهم،  بل كانت عبارة عن مخطط لحياتهم الفعلية.

و ذكر الدكتور والدينجر Robert Waldinger ، في محادثته على منصة تيد  TED:

 "صور الحياة بأكملها، والخيارات التي يتخذها الأشخاص وكيف تسير هذه الخيارات بالنسبة لهم ، يكاد يكون من المستحيل الحصول على تلك الصور الدقيقة. 

كما أن معظم ما نعرفه عن الحياة البشرية نعرفه من مطالبة الناس بتذكر ماضيهم، وكما نعلم يمكن أن تكون الذاكرة مبدعة بشكل كبير ".

و استناداً إلى آلاف الصفحات من المعلومات التي تم جمعها، فقد استنتج الفريق بعض الدروس البسيطة و الفعالة لحياة سعيدة و مرضية بدرجة كبيرة.

             

 "إن كوننا على اتصال وثيق بكل أحبائنا هو نعمة كبيرة يجب أن ننتبه لها"
  • ما هي أكثر لحظات حياتك التي تعتز بها عندما تشعر بالحنين إلى الماضي؟

  • ما الذكريات التي تستطيع أن تبتسم بسعادة حين تتذكرها؟

يعتبر  الأشخاص الأكثر ارتباطاً بالعائلة و الأصدقاء و المجتمع أكثر سعادة و صحة ، وهم يعيشون لفترة أطول من الأشخاص الأقل تواصلاً مع بيئتهم المحيطة.

و بالنسبة لي ، فإن مشاهدة عرض ترفيهي يومي مع أمي ، والذهاب في تمرين لياقة بدنية لمدة ساعة مع أخي ، و مناقشة الموضوعات المختلفة مع أبي ، عند إجراء مكالمة أو مكالمتين مع الأصدقاء المقربين، كل ذلك يجعلني أشعر بالسعادة  بشكل كبير. نعم ، هذه هي اللحظات اليومية الصغيرة التي تجعلني سعيداً. 

فقد تقوم باللعب مع طفلك الصغير، أو اصطحاب حيوانك الأليف في نزهة، أو الطهي مع زوجتك ، حيث تبدو تلك الأشياء البسيطة أكثر متعة.

كما أن  وجود اتصال وثيق بمن هم حولك يكون دائماً أكثر فائدة. حيث يتوق البشر الى التقرب من أحبائهم، ويساعدنا ذلك الا تصال الوثيق على القيام بذلك.

 و قد تطرقت الدراسة أيضاً إلى الجانب الآخر و الذي يتمثل في : حالة الوحدة في العلاقات.   

لقد وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين كانوا أكثر انعزالاً عن الآخرين كانوا أقل سعادة ،  و أقل صحة في منتصف عمرهم، و يعيشون حياة أقصر.

 

العمق في الأشياء يعطي معنى أكبر للحياة ...

إن  الدرس الثاني الذي استنتجته تلك الدراسة كان أن جودة العلاقات يعتبر أكثر أهمية من عدد العلاقات التي حصل عليها المرء.(  ويقصد أن الكيف في العلاقات أهم بكثير من الكم).

 حيث كان الأشخاص الذين كانوا أكثر رضا في علاقاتهم في سن الخمسين هم الأكثر صحة في سن الثمانين ، و ذلك  حسب ما أوردته تلك الدراسة.  

كما أثر الزواج السيء والسلبي على الصحة بشكل أسوأ من الطلاق ،و ذلك على المدى الطويل و وفقاً لتحليلهم.


أي أن :

"إن مدى قربك ممن حولك أكثر أهمية من عدد الأشخاص الذين تتواصل معهم ببساطة".

العلاقات الجيدة ليست سلسة دائماً...

 غالباً ما نتخيل العلاقات الجيدة أنها سلسة دائماً. إلا أن هذا ليس صحيحاً ولا ضرورياً ولا عملياً.

و كنت قد اعتدت أن أمتلك هذه النظرة المثالية لفترة طويلة من حياتي.

إذ أنه  لا بأس في الصراع و الجدال بين الحين والآخر.

و مما لا شك فيه ستكون لديك بعض الأيام السيئة، و لكن طالما أنك تعمل باستمرار على صحة علاقاتك، فإن المردود الذي ستشهده سيكون أكبر.

و قد صرح الباحثون أن بعض الأزواج الذين بلغوا الثمانين من العمر قد "يتشاجرون مع بعضهم البعض يوماً بعد يوم" ،و لكن أياً من هذه الحجج لم تؤثر على حياتهم لأنهم كانوا يعلمون أنهم سيحافظون على دعم بعضهم البعض في أوقات الأزمات.


العلاقات الجيدة تحسن الذاكرة وتطور الإبداع..

 السعادة ليست الثمرة الوحيدة للعلاقات الجيدة.

فأولئك الذين كانت تربطهم علاقات ذات معنى كانت لديهم ذكريات أكثر حدة في الثمانينيات من العمر.

أما  أولئك الذين لم يتمكنوا من الاعتماد على أقاربهم و من هم حولهم ، فقد عانوا من تدهور الذاكرة في وقت لاحق ،و ذلك كما أكد مسح الدماغ الذي أجري عليهم.

و يرجع ذلك التدهور إلى سبب رئيسي ، و هو سبب أيضاً للعديد من المشكلات المتعلقة بالدماغ ، وتعيد هذه الدراسة تأكيد ذلك الارتباط.


كلمة أخيرة ....

يقول  بودا Buddha : "في النهاية ، سيكون هناك ثلاثة أشياء مهمة فقط : 

  1. كم أحببت 

  2. كيف عشت بلطف و بطريقة جيدة

  3. كيف تتخلى بسلاسة عن أشياء لا تعني لك شيئاً."    

و لنبدأ الآن....

 فقد تكون العلاقات فوضوية و معقدة و تتطلب العمل الجاد المتواصل للحفاظ عليها، و هذا العمل قد يستمر مدى الحياة و قد لا ينتهي أبداً....و لكن : 

  1. يمكنك دائماً تناول الغداء مع والدتك في نهاية الأسبوع المقبل . 

  2. يمكنك دائماً الاتصال بزميلك القديم في الكلية والاطمئنان عليه، غداً أو في اليوم التالي.

  3. يمكنك دائماً شكر هذا المعلم الذي غير حياتك، بعد بضعة أيام ، عندما تحصل على الوقت لفعل ذلك.


أو يمكنك اختيار القيام بكل ذلك الآن.

لقد واجهت  في هذا الحجر الصحي ، تحدياً لمدة 20 يوماً (أواجه مثل هذه التحديات من حين لآخر) للتواصل كل يوم مع الأصدقاء الجيدين الذين فقدت الاتصال بهم، وقد تحولت هذه لتكون واحدة من أفضل تجاربي على الإطلاق.

كما أنني خططت الآن لتكرار هذه التجربة، و هذه المرة سأشكرهم على المساهمة الرائعة التي قدمتموها في حياتي.

و ربما يمكنك عزيزي القارئ  أن تشاركني القيام بهذه التجربة، أو يمكنك القيام بشيء آخر، حتى لو كان شيئاً أبسط لتبدأ به.

و يمكنك التفكير في استبدال بعض الوقت بقضائه مع العائلة ، أو القيام ببعض الهوايات الجديدة والممتعة بالنسبة لك، أو الذهاب في نزهة رائعة.

 و لتكن ممتناً لكل النعم التي في يديك .

و هنا يحضرني اقتباس الرائع مارك توين Mark Twain :

 "لا يوجد وقت، فالحياة مختصرة للغاية .

تبدأ المشاحنات ، ثم الاعتذارات ، ثم الخصومات ، ثم تبادل الاتهامات.

ليس هناك وقت إلا للمحبة والود فقط ، إذا جاز التعبير".

أحدث أقدم

نموذج الاتصال