صحة الأمعاء : كيف تساهم ميكروبيوم الأمعاء في النوم الجيد


 

ترتبط صحة الأمعاء ارتباطاً وثيقاً بوظيفة الدماغ السليمة. و هنا، يقترح بحث جديد من جامعة تسوكوبا في اليابان أن بكتيريا الأمعاء قد تؤثر أيضاً على أنماط النوم الطبيعية من خلال المساعدة في إنشاء رسل كيميائية مهمة في الدماغ ، مثل السيروتونين و الدوبامين.

يمكن أن تقدم هذه النتيجة أملاً جديداً للأشخاص الذين يعانون من صعوبة في النوم أو يعانون من مشاكل صحية متعلقة بالنوم ، مثل الأرق و التعب المزمن و التشوش العقلي.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة ، البروفيسور ماساشي ياناغيساوا: "وجدنا أن استنفاد الميكروبات يقضي على السيروتونين في الأمعاء ، و نعلم أن مستويات السيروتونين في الدماغ يمكن أن تؤثر على دورات النوم و الاستيقاظ".

"و بالتالي ، فإن تغيير الميكروبات الموجودة في الأمعاء عن طريق تغيير النظام الغذائي لديه القدرة على مساعدة أولئك الذين يعانون من مشاكل في النوم."

و يعتمد هذا البحث الجديد على مجموعة صلبة من الأعمال السابقة ، و التي أثبتت أن عناصر الإدراك و تطور الدماغ لها صلة قوية بصحة الميكروبات المعوية و الأيض الغذائي. و تظهر الدراسة في دورية التقارير العلمية Scientific Reports.


محور ميكروبيوم الأمعاء-الدماغ

تؤثر الإشارات الداخلية و الخارجية ، مثل إيقاعات الساعة البيولوجية و الأكل ، بشكل كبير على النوم. 

الإيقاعات اليومية هي عمليات أو وظائف بيولوجية أساسية تتبع دورة مدتها 24 ساعة بناءً على الساعة الداخلية للجسم.

و تعد دورة النوم والاستيقاظ من أهم إيقاعات الساعة البيولوجية. حيث يمكن للعوامل التي تغير دورة النوم والاستيقاظ أن تتسبب في اضطرابات النوم.

من ناحية أخرى يرتبط الاستقلاب (الأيض) الغذائي المعوي ارتباطاً وثيقاً بوظيفة الدماغ عن طريق نظام الدورة الدموية و العصب المبهم ، مما يؤدي إلى إنشاء شبكة تسمى "محور الأمعاء الدقيقة" أو "محور ميكروبيوتا microbiota  الأمعاء والدماغ".

و تظهر الأبحاث أن ميكروبيوم الأمعاء (مجتمع البكتيريا و الفيروسات والفطريات التي تعيش في القناة الهضمية) له تأثير على عناصر الوظيفة الإدراكية ، و نمو الدماغ ، و تكوين الذاكرة ، و الإيقاع اليومي ، و الصحة العقلية.

يؤثر وقت تناول الطعام و ما يأكله الناس على التكوين و الحجم و الإيقاعات اليومية لميكروبات الأمعاء. 

كذلك يمكن للتغييرات في ميكروبيوتا الأمعاء أن تغير عملية الأيض الغذائي في الأمعاء لأن الميكروبات التي تنتمي إلى الكائنات الحية الدقيقة تنتج العديد من نواتج أيض الأمعاء – و هي الجزيئات التي تنتج عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء عملية الهضم.

لذلك ، قد يؤدي تغيير النظام الغذائي إلى تحسين نوم الشخص أو تقليل مشاكل النوم.

و إذا ثبت أن هذا هو الحال ، فسيكون بمثابة علاج بديل طبيعي و مبسط إلى حد ما لأدوية النوم ، و التي يمكن أن يكون لها مجموعة من الآثار الجانبية السلبية ، بما في ذلك النعاس أثناء النهار ومشاكل الجهاز الهضمي.


البدء بالدراسة

في الدراسة ، قسم الباحثون 25 من ذكور الفئران متطابقين وراثياً بأعمار 8 أسابيع، إلى مجموعتين.

و قد أعطوا الفئران في المجموعة التجريبية إمكانية الوصول إلى الماء باستخدام أربعة مضادات حيوية شائعة الاستخدام.

و اشتملت على العلاج بالمضادات الحيوية لاستنزاف ميكروبيوتا أمعاء الفئران. و في الوقت نفسه ، شربت الفئران الأخرى - المجموعة الضابطة - الماء بدون مضادات حيوية.

و بعد 4 أسابيع ، وجد الباحثون أن الفئران التي شربت ماء المضاد الحيوي كانت تحتوي على مستقلبات معوية أقل بكثير من الفئران الضابطة.

يقول البروفيسور ياناغيساوا Yanagisawa: 

"لقد وجدنا أكثر من 200 اختلاف في المستقلبات بين مجموعات الفئران".

"و قد كان هناك حوالي 60 مستقلباً طبيعياً مفقوداً في الفئران المستنفدة للميكروبات ، و البعض الآخر اختلف في الكمية - بعضها أكثر وبعضها أقل من الفئران الضابطة."

من ناحية أخرى وجد الفريق أن المسارات البيولوجية التي يتأثر بها العلاج بالمضادات الحيوية هي تلك التي تلعب دوراً في إنتاج الناقلات العصبية ، و هي الجزيئات التي تستخدمها الخلايا العصبية للتواصل.

و أشارت النتائج إلى أن العلاج بالمضادات الحيوية أغلق تماما مسار التربتوفان - السيروتونين. إذ كان لدى الفئران المستنفدة للميكروبات مستويات أعلى من التربتوفان من الفئران الضابطة، و لكن -تقريباً- لا تحتوي على السيروتونين.

لذلك ، يبدو أن ميكروبات الأمعاء ضرورية لعملية إنتاج السيروتونين من التربتوفان في الأطعمة.

و كانت الفئران المستنفدة من الميكروبات تعاني أيضاً من نقص في مستقلبات فيتامين ب 6 ، و هي جزيئات تسرع إنتاج السيروتونين والدوبامين.

بعد ذلك ، فحص الباحثون نشاط دماغ الفئران باستخدام أقطاب كهربائية زرعوها في فروة الرأس لتسجيل إشارات مخطط كهربية الدماغ (EEG) / مخطط كهربية العضل (EMG) ، و التي تتعقب النشاط الكهربائي للدماغ.

حيث كشفت هذه الخطوة أنه بالمقارنة مع الفئران الضابطة ، شهدت الفئران المستنفدة للميكروبات حركة عين أسرع (REM) و نوماً غير حركة العين السريعة في الليل ، و هو الوقت الذي يجب أن تكون فيه الفئران نشطة. 

كما أن الفئران المستنفدة من الميكروبات كان لديها قدر أقل من النوم غير الريمي أثناء النهار ، و معظم الفئران عادة ما تنام.


أخيراً..

لاحظ الفريق أن الفئران المستنفدة للميكروبات شهدت عدداً أكبر من نوبات نوم حركة العين السريعة مقارنة بالفئران الضابطة أثناء النهار و الليل، و عدداً أكبر من النوبات غير المرتبطة بحركة العين السريعة في النهار.

و تشير هذه النتائج إلى أن الفئران المستنفدة من الميكروبات كانت تتحول بشكل متكرر بين مرحلتي النوم والاستيقاظ أكثر من الفئران الضابطة. 

يعتقد الباحثون أن اضطرابات النوم هذه قد تكون مرتبطة بانخفاض مستويات السيروتونين ، و لكن المزيد من البحث ضروري لتحديد الآلية التي تحكم ذلك.


قيود الدراسة و البحث المستقبلي

تشمل قيود الدراسة حقيقة أن الباحثين لم يتمكنوا من تجاهل التأثير المباشر للمضادات الحيوية على وظائف المخ. حيث يقترح الباحثون أن إحدى الطرق للتغلب على هذا في الدراسات المستقبلية هي استخدام الفئران الخالية من الميكروبات.

و يمكن أن تستخدم الدراسات المستقبلية أيضاً التغذية الخاضعة للرقابة و إدارة بعض الميكروبات لتحديد ميكروبيوتا الأمعاء ، مما يسمح للفريق بتقييم التأثير الفردي لكل كائن حي على دورة النوم و الاستيقاظ.

و تظهر بعض الأبحاث أن البريبايوتك prebiotics ، و هو مكون غذائي غير قابل للهضم يعزز صحة و نمو الكائنات الحية الدقيقة المفيدة في الأمعاء ، و يساعد في تحسين نوعية النوم لدى البشر. 

من ناحية أخرى قد تقلل مكملات البريبايوتكس أيضاً من اضطرابات النوم المرتبطة بالإجهاد في الفئران.

و لكن ستحتاج الأبحاث المستقبلية إلى اختبار ما إذا كانت هذه النتائج تصمد عند تطبيقها على البشر.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال