ماهي ليلة القدر
تلك الليلة : (( وما أدراك ما ليلة القدر ))
لقد
فرق فيها من كل أمر حكيم . وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين . وقد قررت
فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد . أقدار أمم ودول وشعوب . بل أكثر
وأعظم . . أقدار حقائق وأوضاع وقلوب
ولقد
تغفل البشرية لجهالتها ونكد طالعها عن قدر ليلة القدر . وعن حقيقة ذلك
الحدث ، وعظمة هذا الأمر . وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل
آلاء الله عليها ، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي سلام الضمير وسلام البيت
وسلام المجتمع الذي وهبها إياه الإسلام . ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها
من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة . فهي شقية ، شقية على الرغم
من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش!
لقد
أنطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة ، وانطمست الفرحة الوضيئة التي
رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى . وغاب السلام الذي فاض على الأرواح
والقلوب . فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى
عليين . .
ونحن
المؤمنين مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى؛ وقد جعل لنا نبينا صلى
الله عليه وسلم سبيلاً هيناً ليناً لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل
موصولة بها أبداً ، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها . وذلك فيما
حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام ، ومن تحريها والتطلع إليها في
الليالي العشر الأخيرة من رمضان . . في الصحيحين :
« تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان »
وفي الصحيحين كذلك « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه »
والإسلام
ليس شكليات ظاهرية . ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام
في هذه الليلة أن يكون « إيماناً واحتساباً » . . وذلك ليكون هذا القيام
استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة « إيماناً »
وليكون تجرداً لله وخلوصاً « واحتساباً » . . ومن ثم تنبض في القلب حقيقة
معينة بهذا القيام . ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن .
والمنهج
الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ، ويجعل
العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل
المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير .
وقد
ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة
في عالم الضمير وعالم السلوك . وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون
مساندة العبادة ، وعن غير طريقها ، لا يقر هذه الحقائق ، ولا يحركها حركة
دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة . .
وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيماناً واحتساباً ، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم .