رسالة الصيام


 رسالة الصيام ..
 يبدأها الله بالنداء على أحبابه فيقول:
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183البقر)
 ويكفينا مقدمة هذه الرسالة إذا تدبرناها في هذا الوقت القصير، واستمع معي إلى العليِّ الكبير وهو يعلمك الأدب مع رسالته، فيقول فيما روي عنه عزَّ وجلَّ: 
 { يا عبدي، أما تستحي مني، يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي، فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله، وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه، وهذا كتابـي أنزلته إليك، انظر كم فصلت لك فيه من القول، وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه، ثم أنت معرض عنه، أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي، يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك، وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف، وها أنا ذا مقبل عليك، ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك؟}. 
هل سمعتم أحنَّ وأجمل من هذا الخطاب. يا عبد الله، كن كما كان أصحاب رسول الله فقد قال قائلهم:
 { إذا سمعت الله يقول: 
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
 فأرعها سمعك، فإنه إما خير تُؤمر به، وإما شرٌّ تُنهى عنه }(1)
فاستمع بكلك وقل بلسانك: لبيك اللهم ربنا وسعديك، لبيك لبيك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يعني سمعاً لك بعد سمع، وطاعة لك بعد طاعة، وأعلم أنه إذا قال:
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)، 
 إما أن يأمرك بخير فسارع إلى التنفيذ فتحصل عليه! وإما أن ينهاك عن شرٍّ فسارع إلى تجنبه لتسلم منه.
ولذة ما في النداء تزيل عن المؤمن التعب والشقاء والعناء، من أنا يا أيها المؤمن، ومن أنت حتى ينادي علينا الجليل، ويخاطبنا العليُّ الكبير؟
 أيتوجه إلينا بالنداء الذي له الحكم في الأولى والآخرة وإليه المصير؟
 ولكنه كرم من الكريم، وإنعام من المنعم، ينادي على أحبابه فيقول
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
 يعني: يا عبادي .. يا أحبابي .. يا أوليائي .. يا من آمنتم بكتابي .. يا من صدقتم برسلي .. يا من أسرعتم إلى طاعتي .. يا من بادرتم لرضائي .. ويا .. ويا. ماذا يا ربّ؟ أناديكم لأقول لكم: يا أحبابى. هذا طريق سريع للتوبة، وهذا باب سريع للمغفرة، وهذا ميدان فسيح لتكثير الأجر والثواب، وهذا مكتب تنالون منه شهادة وتدخلون الجنة مع الأحباب، وهذا باب تدخلون منه الجنة بغير سؤال ولا حساب.
ما هذا الباب يا ربّ؟ فقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
، لماذا كتب علينا الصيام؟ أللتعب والعناء؟ أم للشدة والشقاء؟. لا هذا ولا ذاك، لأن الله غنيٌّ عن طاعتنا أجمعين، فهو سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضيره معصية العاصين، وإنما الأمر كما قال سبحانه: 
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (15الجاثية). 
فرض عليك الصيام ليعطيك المغفرة، وهل هناك شئ في الدنيا والآخرة أجمل من المغفرة؟ لو بحثنا يا أخي ما وجدنا في الوجود كله أجمل من مغفرة الله والحصول على رضاه
أحدث أقدم

نموذج الاتصال