-->

ما هو الذكاء الاصطناعي ؟ و ما هي أنواعه الأربعة؟


 

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence  AI ، على أنه قدرة الكمبيوتر الرقمي أو الروبوت الذي يتحكم فيه الكمبيوتر على أداء المهام المرتبطة عادة بالكائنات الذكية.

و من الملفت للنظر أن هذا المصطلح  قد تم تطبيقه بشكل متكرر على مشروع تطوير الأنظمة الممنوحة للعمليات الفكرية المميزة للبشر ، مثل القدرة على التفكير ، و اكتشاف المعنى ، و التعميم ، أو التعلم من الخبرة السابقة.

و لا يخفى على أحد أنه و منذ تطوير الكمبيوتر الرقمي في أربعينيات القرن الماضي ، تم إثبات أنه يمكن برمجة أجهزة الكمبيوتر لتنفيذ مهام معقدة للغاية - على سبيل المثال ، اكتشاف برهان للنظريات الرياضية أو لعب الشطرنج - بمهارة عالية.

و على الرغم من التقدم المستمر في سرعة معالجة الكمبيوتر و سعة الذواكر، فلا تزال هناك  حتى الآن برامج يمكن أن تتطابق مع المرونة البشرية عبر المجالات الأوسع أو في المهام التي تتطلب الكثير من المعرفة اليومية.

و من ناحية أخرى ، فقد حققت بعض البرامج مستويات تضاهي أداء الخبراء البشريين و المهنيين في أداء مهام محددة معينة ، بحيث يتم العثور على الذكاء الاصطناعي بهذا المعنى المحدود في تطبيقات متنوعة مثل التشخيص الطبي، و محركات بحث الكمبيوتر، و التعرف على الأصوات، أو الكتابة اليدوية.


فهم الأنواع الأربعة للذكاء الاصطناعي :

يركز تقريرنا هنا على ما يمكن تسميته بأدوات الذكاء الاصطناعي السائدة  mainstream AI tools و هي: التعلم الآلي machine learning  والتعلم العميق deep learning .

و قد كانت أنواع التقنيات هذه هي القادرة على لعب دور خطير في حياة البشر  ، حيث أن هذه التقنيات قد تغلبت على أسيادها البشريين في اللعبة اللوحية Go الأكثر تعقيداً على الإطلاق.

و تعتبر هذه الأنظمة الذكية الحالية قادرة على التعامل مع كميات هائلة من البيانات، و إجراء حسابات معقدة بسرعة كبيرة.

إلا أنها تفتقر إلى عنصر سيكون أساسياً في بناء الآلات الحساسة التي نتصور وجودها في المستقبل.

لذلك فنحن بحاجة إلى القيام بأكثر من مجرد  تعليم الآلات أن تتعلم .

كما أننا بحاجة للتغلب على الحدود التي تحدد الأنواع الأربعة المختلفة للذكاء الاصطناعي ، و الحواجز التي تفصل بيننا و بين الآلات ، و بين الآلات و بيننا .


كم عدد أنواع الذكاء الاصطناعي الموجودة؟

هناك أربعة أنواع للذكاء الاصطناعي:

1-الآلات التفاعلية reactive machines 

2-الذاكرة المحدودة limited memory 

3- نظرية العقل theory of mind 

4- الوعي الذاتي self-awareness .


1. الآلات التفاعلية :

تعد الأنواع الأساسية لأنظمة الذكاء الاصطناعي تفاعلية بحتة ، و هي  لا تملك القدرة على تكوين ذكريات، و ليس لديها القدرة على استخدام التجارب السابقة لإبلاغ القرارات الحالية.

و يعتبر ديب بلو Deep Blue ، الكمبيوتر العملاق الذي يلعب الشطرنج من آي بي إم ، و الذي تغلب على المدافع الدولي غاري كاسباروف Garry Kasparov في أواخر التسعينيات ، هو النموذج المثالي لهذا النوع من الآلات أو الأجهزة .

و قد كان بإمكان هذا الكمبيوتر العملاق -ديب بلو Deep Blue- التعرف على القطع الموجودة على لوحة الشطرنج و معرفة كيفية تحرك كل منها. كما كان بإمكانه أن يقوم بالتنبؤات حول التحركات التالية له و لخصمه .

و بذلك استطاع اختيار أفضل التحركات من بين الاحتمالات الموجودة لديه.

إلا أن هذا الكمبيوتر لم يكن لديه أي مفهوم للماضي ، و لا أي ذكرى لما حدث من قبل. و بصرف النظر عن قاعدة الشطرنج التي نادراً ما كانت تُستخدم ضد تكرار نفس الحركة ثلاث مرات ، فقد كان ديب بلو Deep Blue  يتجاهل كل شيء قبل اللحظة الحالية.

و كل ما كان يفعله هو النظر إلى القطع الموجودة على لوحة الشطرنج كما هي في الوقت الحاضر ، و من ثم الاختيار من الحركات التالية المحتملة.

و يرتبط هذا النوع من الذكاء بالكمبيوتر الذي يدرك العالم مباشرة و يتصرف بناءً على ما يراه.

كما أنه لا يعتمد على مفهوم داخلي للعالم. و في ورقة بحثية أساسية ، قام باحث الذكاء الإصطناعي رودني بروكس Rodney Brooks بالإشارة إلى مسألة وجوب بناء آلات مثل هذه الآلات فقط .

و قد كان سببه الرئيسي يتمثل في أن الأشخاص ليسوا جيدين بالمقدار الكافي لبرمجة عوالم محاكاة دقيقة لأجهزة الكمبيوتر لاستخدامها ، و هذا ما يسمى في منحة الذكاء الاصطناعي "تمثيل representation " العالم.

إن هذه الآلات الذكية الحالية و التي تعد بمثابة الأعجوبة بالنسبة لن،ا إما أنها لا تمتلك مثل هذا المفهوم للعالم ، أو لديها مفهوم واحد محدود للغاية، و هو مخصص لواجباتها الخاصة بها .

إذ لم يكن ابتكار تصميم ديب بلو Deep Blue من أجل توسيع نطاق الأوضاع المحتملة التي أخذها الكمبيوتر في الاعتبار.

بل قام المطورون إلى حد ما بإيجاد طريقة من أجل تضييق نطاق رؤيته ، و التوقف عن متابعة بعض التحركات المستقبلية المحتملة ، و كل ذلك بناءً على كيفية تقييم نتائجهم.

و بدون هذه القدرة التي منحت لـ ديب بلو ، كان يجب أن يكون ديب بلو حاسوباً أكثر قوة من أجل أن يتغلب فعلياً على كاسباروف .

و بالمثل ، فإنه لم يكن من الممكن لـبرنامج الكمبيوتر المسمى ب AlphaGo من Google ، و الذي هزم كبار الخبراء البشريين للعبة اللوحية Go ، تقييم جميع التحركات المستقبلية المحتملة أيضاً.

فقد كانت طريقة تحليلها أكثر تعقيداً من الكمبيوتر ديب بلو ، و ذلك من خلال استخدام شبكة عصبية لتقييم تطورات اللعبة.

و من المثير حقاً أن هذه الطرق تعمل على تحسين قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل أن تقوم بلعب ألعاب معينة بشكل أفضل ، و لكن لا يمكن تغييرها أو تطبيقها بسهولة على حالات أخرى.

كما أنه لا يوجد لهذه التصورات المحوسبة مفهوم للعالم الأوسع - مما يعني أنها لا تستطيع العمل خارج المهام المحددة التي تم تكليفها بها،  كما أنه من السهولة بمكان خداعها.

لذلك فإنه من غير الممكن لهذه الآلات المشاركة بشكل تفاعلي في العالم ، بالطريقة التي نتخيلها لأنظمة الذكاء الاصطناعي في يوم من الأيام.

بل ستتصرف هذه الآلات بنفس الطريقة تماماً في كل مرة تواجه الموقف ذاته .

و ربما يكون هذا جيد للغاية، و إلى أن نتأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن الوثوق بها : فلابد و أنك ترغب في أن تكون سيارتك المستقلة سائقاً يمكن الوثوق به .

و لكن الأمر سيكون سيئاً فيما لو أردنا أن تتفاعل الآلات بالفعل مع العالم و تستجيب له.

و لن تكون أبسط أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه مملة أو مهتمة أو حزينة.


2. الذاكرة المحدودة :

تحتوي هذه الفئة من النوع الثاني على آلات يمكنها النظر إلى الماضي.

حيث تقوم السيارات ذاتية القيادة ببعض من هذا بالفعل. و على سبيل المثال ، فإن هذه السيارات يمكنها ملاحظة سرعة و اتجاه السيارات الأخرى.

إلا أنها لا تستطيع القيام بذلك في لحظة واحدة ، بل يتطلب ذلك تحديد أشياء محددة و مراقبتها بمرور الوقت.

و من ثم تتم إضافة هذه الملاحظات إلى تمثيلات السيارات ذاتية القيادة المبرمجة مسبقاً للعالم ، و التي تتضمن أيضاً علامات المسار ، و إشارات المرور و عناصر مهمة أخرى ، مثل المنحنيات في الطريق الذي تسير فيه .

ثم يتم تضمين هذه المعلومات و البيانات عندما تقرر السيارة متى يجب تغيير الممرات ، لتجنب قطع سائق آخر أو أن تصطدم بها سيارة مجاورة.

بيد أن هذه المعلومات البسيطة المتعلقة بالماضي هي معلومات عابرة فقط. حيث لا يتم حفظها كجزء من مكتبة تجارب السيارة التي يمكن أن تتعلم منها ، و الطريقة التي يجمع بها السائقون البشر الخبرة على مر السنين خلف عجلة القيادة.

إذاً : كيف يمكننا بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تبني تمثيلات كاملة ، و تتذكر تجاربها و تتعلم كيفية التعامل مع المواقف الجديدة؟ .

لقد كان بروكس Brooks  محقاً في أنه من الصعب جداً القيام بذلك.

كما يمكن لبحثي الخاص في الأساليب المستوحاة من التطور الدارويني أن يبدأ في تعويض أوجه القصور البشرية من خلال السماح للآلات ببناء تمثيلاتها الخاصة.


3. نظرية العقل :

بإمكاننا أن نتوقف هنا و نطلق على هذه النقطة، الفجوة المهمة بين الآلات التي نمتلكها و الآلات التي سنبنيها في المستقبل. و مع ذلك ، فمن الأفضل أن نكون أكثر تحديداً لمناقشة أنواع آلات التمثيل التي يجب تشكيلها ، و ما يجب أن تكون عليه.

و لن تقوم الآلات في المستوى التالي الأكثر تقدماً بتشكيل تمثيلات متعلقة بالعالم فقط ، و لكنها ستقوم بتشكيل تمثيلات  أيضاً عن وكلاء أو كيانات أخرى في العالم. و يسمى هذا في علم النفس "نظرية العقل" - و هو عبارة عن مفهوم يدور حول أن الناس و المخلوقات و الأشياء في العالم، يمكن أن يكون لديهم أفكار و مشاعر تؤثر على سلوكهم.

و يعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية لكيفية تشكيلنا نحن البشر للمجتمعات ، لأنها سمحت لنا أن يكون لدينا تفاعلات اجتماعية.

إذ أنه و من دون فهم دوافع و نوايا بعضنا البعض ، و دون مراعاة ما يعرفه شخص آخر عني أو عن البيئة ، فإن العمل معاً سيكون في أحسن الأحوال أمراً صعباً  ، و في أسوأ الأحوال سيكون مستحيلاً .

لذلك ، و إذا كان على أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتواجد بيننا بالفعل ، فيجب أن تكون هذه الأنظمة قادرة  على فهم أنَّ لكل منا أفكاراً و مشاعر، و توقعات حول الكيفية التي ستتم معاملتنا بها.

و على هذه الأنظمة تعديل سلوكها وفقاً  لذلك.


4. الوعي الذاتي
:

و نصل في بحثنا إلى الخطوة الأخيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي و هي، بناء أنظمة يمكنها تكوين تمثيلات عن أنفسها .

إذ و في نهاية المطاف ، سيتعين علينا نحن باحثو الذكاء الاصطناعي ليس فقط فهم هذا الوعي ، و لكن بناء الآلات التي تمتلك (الوعي ) أيضاً .

و يعتبر هذا ، إلى حد ما ، امتداداً لـ "نظرية العقل" التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي من النوع الثالث. و لسببٍ ما يسمى الوعي Consciousness  أيضاً بـ "الوعي الذاتي self-awareness". 

فعلى سبيل المثال  "أريد هذا العنصر"  هي عبارة مختلفة تماماً عن "أعرف أنني أريد ذلك العنصر".

و من المعروف أن الكائنات الواعية تدرك نفسها ، و هي تعرف عن حالاتها الداخلية ، و قادرة على التنبؤ بمشاعر الآخرين.

فمثلاً ، إننا نفترض أن شخصاً ما يصرخ خلفنا في حركة المرور على نحو غاضب أو بقلة صبر ، لأن هذا ما شعرنا به عندما أطلقنا في مرة سابقة بوق سيارتنا باتجاه أحدهم.

و هكذا و بدون نظرية العقل ، لم نكن لنتمكن من صنع هذه الأنواع من الاستدلالات أو الاستنتاجات .

و بما أننا على الأرجح بعيدون عن إنشاء آلات واعية ذاتياً ، فيجب أن نركز جهودنا نحو فهم الذاكرة و التعلم و القدرة على بناء القرارات على التجارب السابقة.

و هذا - باعتقادي -  يعتبر خطوة مهمة لفهم الذكاء البشري من تلقاء نفسه.