الحياة بدون كبت
أنا كما يراني الناس من الخارج فتاة عادية في التاسعة عشر ..
مرحة
منطلقة .. الكثيرون يحسدونني على انطلاقي .. فأنا أبداً دائماً ضاحكة
عابثة .. و لكن قلبي من الداخل يدمي .. و لا أحد يعلم ما أعانيه ..
أحببت
منذ ثلاث سنوات .. و كان حباً أكبر من عمري .. و كان هو في الثلاثين ..
أكبر مني بأربعة عشر عاماً .. و علمني كل شيء .. كنت كتاباً مقفولاً و
موضوعاً على الرف و جاء هو و فتحه و قرأ كل سطر فيه .. و كل كلمة فيه .. و
كنت سعيدة
السنة الماضية في
مثل هذا الوقت كنت أسعد مخلوقة في الوجود .. فأنا جميلة ، خفيفة الظل ،
محبوبة من الجميع ، و من عائلة غنية .. أستطيع الحصول على جميع طلباتي .. و
أهم من هذا كله .. كان هو بجانبي .. حبيبي .
كنا
شبه مخطوبين أمام الناس و شبه متزوجين أمام أنفسنا و أمام الله .. عرفت
معه كل متع الحب .. و كل مسراته .. و قد حرصنا معاً على ألا يتجاوز عبثنا
الحدود .. فظللت عذراء .. و لكنه في آخر لحظة تركني و هجرني إلى غير رجعة
..
قال إنه لا يستطيع أن
يعصي أمر والدته .. و قد اختارت له والدته ابنة أختها اليتيمة .. و
خطَبَتها له .. و هو لا يستطيع أن يرفض لها طلباً فهو وحيدها .
و تعذبْت .. و مَرِضْت .. ثلاثة شهور ..
ثم بدأت أضمد جراحي و أقاوم عذابي .. و أرسم الضحكة على شفتي .. و أغتصب الإبتسامة .. و بدأت أعود إلى الحياة .
و عرفت أحد زملائي في الكلية .. و صاحبته ..
و لم يكن حباً هذه المرة .. فأنا أعلم أني لا أحبه .. و أنه لا يحبني .
و لكني كنت أبحث عن سلوى .
و
نحن نذهب إلى السينما حيث نقضي الساعات .. لا نرى الفيلم .. و لا نرى ما
حولنا .. و إنما نظل نتبادل القبلات و العناق حتى يضيء النور ..
و في حمى الشباب تأخذنا نشوة المراهقة التي نمر بها نحن الإثنان فيشعر كلانا بأننا نقضي ساعات لذيذة .
و
لكن بعد ذلك .. و بعد أن تمضي هذه الساعات .. يبدأ عذاب الضمير .. و أراني
أصرخ في نفسي .. إني ساقطة .. مجرمة بدون أخلاق .. مذنبة مصيرها جهنم .
و لكني أعود فأسأل نفسي .. و ما ذنبنا إذا كانت هذه غرائزنا التي ركبت فينا .. و رغباتنا التي خلقت معنا .
إني لو لم أفعل هذه الأشياء .. فسوف أظل مشغولة الذهن طول الوقت أفكر و أتمنى أن أعملها .. و هذا ألعن ..
ما ذنبنا إذا كانت هذه طبيعتنا ..
و
أبكي .. و أصلي .. و أصوم .. ثم أعود إلى فعل هذه الأشياء .. و أنا أسأل
نفسي في حيرة .. ما الفرق بين ما يفعله المتزوجون و غير المتزوجين .. إنها
ورقة .. مجرد ورقة ..
و
لماذا يَعتبِر الناس تلامس اليدين في المصافحة عملاً عادياً لا غُبارعليه
.. و تلامس الشفاه في القبلة عملاً فاضحاً شائناً .. أليست كلها أجزاء جسم
واحد ..
و ما معنى الفضيلة هنا ؟! ..
و كيف يكون تحريم أشياء هي في صميم طبيعتنا فضيلة .. ؟!
لماذا لا نعيش على الطبيعة بدون تعقيد .. و بدون كبت .. و بدون تحريم ؟! .
***************
رد الدكتور على القارئة صاحبة الرسالة :
قصدك لماذا لا نعيش كالحيوانات فننطلق مع غرائزنا بلا ضابط .. و بلا نظام .. و بلا هدف سوى هاتف اللحظة .. و لذة الساعة ..
مستحيل طبعاً فهذا معناه أن نتخلى عن إنسانيتنا تماماً .. و نعود إلى عصر الغابة .
فالآدمية
لا تبدأ إلا من هذه اللحظة .. من اللحظة التي يحكم فيها الإنسان رغبته ، و
يكبح غضبه ، و يلجم شهواته ، و يتصرف بمقتضى أهداف سامية .. كالرحمة ، و
الإخاء ، و الشجاعة ، و التضحية ، و البذل في سبيل الآخرين ، و العمل على
إقامة نظام ، و الإنقطاع للعلم و التحصيل ، و المعرفة و خدمة الناس ..
أما
إذا انقلب الوضع و أصبحت لذَّات الجسد العابرة ، و نزوات الغريزة مفضلة
على هذه الأغراض السامية فإن الإنسان يفقد إنسانيته و ينقلب حيواناً .. و
النظام الإجتماعي ينهار كله من أساسه ..
و
الزواج ليس مجرد ورقة كما تقولين .. الزواج تنظيم اجتماعي للغرائز حتى
يكون لكل إبن يولد أب مسئول عنه .. و حتى لا تتحول العلاقات الجنسية إلى
فوضى بلا رابط .. و تختلط الأحساب و الأنساب .. و لا يعرف الإبن أباه ..
و
الواقع أن الإنسان حينما يضبط رغبته و يكبح شهوته .. فإنه لا يمكن أن
يُقال إنه يكبت طبيعته .. فإنه في الحقيقة يخرِس صوت الغريزة .. و لكنه في
نفس الوقت يُطلِق صوت العقل .. و هو يشد اللجام على الحيوان الهائج في نفسه
، و لكنه يطلق العنان للوجدان و العاطفة و الفكر .
و لا يمكن أن يُقال في أمر طبيعتنا إنها مجرد رغبات حيوانية .
فإن العقل أيضاً من طبيعتنا .. ، و العاطفة و الوجدان و الروح هي صميمنا ..
و هي أكثر أصالة في طبيعتنا من نزوة الجنس و صرخة الحيوان الجائع .
أما
حكاية تلامس الشفتين في القبلة و تلامس اليدين في المصافحة .. فهي مغالطة
واضحة .. و لن أحاول أن أناقشها .. فأنت تعرفين جيداً الفرق بين ما تفعله
القبلة و بين ما تفعله المصافحة .. و مفيش داعي نكذب على بعض .
أما
حكايتك مع صاحبك .. فهي حكاية يجب أن تنتهي .. فأنتِ باعترافك لا تحبينه و
هو لا يحبك .. فالعلاقة إذن علاقة حيوانية لإشباع نزوات عارضة .. و هي
علاقة تخلو من عنصر الصدق .. علاقة يُهين كل منكما فيها جسمه .. و يُهين
نفسه .. و هي لهذا يجب أن تتوقف .. لا بسبب الدين وحده .. و لا خوفاً من
جهنم .. و لكن بدافع من الإنسانية و من احترام كل منكما لجسمه و نفسه أيضاً
.