مشاعر الفقد: الخوف من فقدان أحبتنا


 

أثناء جلوسك في المنزل، قد يتبادر إلى ذهنك أفكار و مشاعر مختلفة و متنوعة. و في ظل ظروف معينة (كالتي يعيشها العالم الآن)  ، قد يخطر ببالك فكرة فقدان أحد أحبتك.

و بالتأكيد سيترافق مع هذه الفكرة مشاعر مختلطة بين الخوف و القلق، و لكن هل فكرت يوماً ما الذي يقف وراء مشاعر الفقد و مشاعر الخوف تلك؟. 

ربما تتجمع -في رأسك- أفكار مختلفة حول الشخص الذي تخاف من أن تفقده، فيبدأ قلبك في الضجيج، و ربما يترافق ذلك مع بعض التوتر و الاضطراب "غير المبرر". 

و كما يمكن تعريفه، فالخوف يعتبر أحد المشاعر العالمية السبعة التي يمكن أن يختبرها المرء.

و عادة ما يختبر المرء الكثير و الكثير من المخاوف ، فالخوف من المجهول ، و الخوف من الموت ، و الخوف من الأذى ، و الخوف من الفقد ، و الخوف المرض، جميعها يمكن أن تنطبق على الشخص نفسه أو على من يحب.

فهل يمكن لكل ما تفكر بها بهذه الطريقة أن يتحقق؟  أم أن ذلك يعتبر أحد أدوات العقل للسيطرة؟!

وبالتأكيد فإن الخوف ينشأ من خطر الأذى الجسدي، أو النفسي، أو العاطفي، المُتخيل أو الحقيقي.

و في حين أنه يتم تصنيف الخوف على أنه أحد المشاعر "السلبية" إلا أن له -في الواقع- دوراً مهماً و حيوياً في الحفاظ على سلامتنا النفسية و الجسدية، لأنه يحركنا للتعامل مع المخاطر المحتملة.

و بالفعل كما يؤكد الخبراء فإن الدفاع ضد التهديدات التي قد تلحق بالإنسان، يعتبر من أحد أهم مهام العقل. 

و للإجابة على الأسئلة السابقة لابد لنا من معرفة طبيعة العلاقة التي تربطنا بمن حولنا -و بشكلٍ خاص بمن نحب- و كيف يفسرها العقل على أرض الواقع.


طبيعة علاقتنا بالأشخاص من حولنا

لو طرحت على نفسك السؤال التالي: ما هي المشاعر التي تربطك بالأشخاص المهمين جداً بحياتك؟ فإنك ستجيب على الفور، الحب.. 

نعم بالتأكيد، فأنا أوافقك، هي مشاعر الحب، و لكن هل تساءلت يوماً بأن ذلك الحب "مشروطاً"؟! و هل دققت في علاقتك بأحبابك و لاحظت شيئاً من الارتباط، أو التملك أو حتى التعلّق؟.  

للأسف، فإن الخبر غير السار، أن اغلب ما يربطنا بمن حولنا -و بالتأكيد بالأشخاص الذين نحبهم- هو مشاعر التعلّق و الحب المشروط، و أكبر من ذلك، إنها حقوق الملكية الخاصة.

إذ يظن معظم الناس، أن من يحبونهم هم أحد الأشياء الشخصية التي تخصهم. و بمقدار القرب و البعد في العلاقة تزداد مشاعر التعلق و مشاعر التملك و الارتباط.

و على الأغلب فمعظم مشاعر الحب التي نشعر بها تكون مختلطة بالشروط، و من أهم الشروط التي يمليها العقل علينا هي عدم الفقد.

فبمجرد ورود شرط الفقد في العلاقة مع الطرف الآخر، فإن العقل ينتفض، مشهراً سلاح الخوف في وجه التهديد الجديد، سواءً أكان حقيقياً أو متخيلاً.

و في الحقيقة، فإن هذا التهديد الذي يواجهه العقل "متوهم" بشكلٍ قاطع، حتى و لو كان حقيقياً (أي حتى و لو تم الفقد بشكل حقيقي).

إذ أن الفقد حاصل سواءً واجه العقل أم لم يواجه. و لكن ما يحصل أن الفكرة التي يبني عليها العقل هي التي تم تهديدها.

و كمثال على ذلك، لو خطرت ببال الزوجة فكرة فقد زوجها، فسرعان ما تتراكض الأفكار في العقل بشكل متسلسل بالشكل التالي:

فكرة "الشريك و الزوج"، تليها فكرة "من تعتمد عليه في شؤون الحياة"، تليها فكرة "الأولاد و كيف يمكن أن تكون حالهم بعده" ، و هكذا .. تتوارد الأفكار بشكل متتابع أو مختلط.

و لو نظرنا إلى كلِ فكرةٍ على حدا، أو مجتمعة و سبرنا عمقها لوجدنا شيئاً تنبني عليه.. إنه " الشرط"!.

و هنا نحن لا نستهين بأهمية المشاعر الإنسانية التي يختبرها المرء، و لكن في العمق تكون هذه المشاعر لها دوافع "شرطية" و ليست نقية كما يوهمنا العقل.


و السؤال المهم هنا ما الذي يدفع بنا للخوف في هذا الاتجاه؟

و ما الذي يقف وراء مشاعر الفقد التي نعاني منها عند التفكير بغياب أحد أحبتنا؟، 

بالتأكيد لا يمكن أن يكون الجواب، عبارة عن وصفة سحرية تزيل من أنفسنا هذه المشاعر بمجرد ابتلاعها.

و لكن يمكن أن تتمحور الإجابة حول أحد أدوات العقل في التحكم و السيطرة، إنه الخوف يا صديقي..

يقوم العقل بالاحتماء وراء طريقته "الحكيمة" في التعاطي مع ما نواجهه من خلال تحديد:

  • ما نحب، و ما نكره

  • ما يؤمن سلامتنا الجسدية و النفسية، و ما يهددها

  • ما يجلب لنا السعادة الفعلية أو حتى "المتوهمة"، و ما يعكر صفوها

و طريقته و "سلاحه الوحيد" في هذه المواجهة "الافتراضية"  هو الخوف .

فيبدأ العقل بخلق سيناريوهات افتراضية لما يمكن أن يواجهه الشخص في حال الفقد، و ما يمكن أن يعاني منه في حالة غياب الشخص الذي يحبه.

و على الغالب يبدأ العقل، على حسب المرجعية التي يعتمدها الشخص (الفاقد)، فإن كان يرتدع بسيناريوهات بسيطة فسيبدأ بها، و إلا فربما يقدم قصة أكثر درامية و أكثر "أكشن" ???? 

 بالتأكيد أكثر "منطقية"، في محاولة منه لفرض قراره في الحماية و الوصاية طبعاً.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال