الوصول لدرجة الإحسان وكيف تكون من المحسنين ؟


 والإحسان في الاصطلاح الشرعي فهو الاتيان على وجه حسن بالمطلوب شرعًا، وحقيقته أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ويرافق الإحسان بذل كل ما فيه النفع للعباد والبلاد، ففي الاحسان بذل وعطاء، واعتراف بالفضل، وقيام بالواجب، فالمحسن يقدم النفع والخير للآخرين، ولا يؤذي أحدًا منهم، ولا يرد الإيذاء إن آذوه، بل يعفو ويصفح، ويقدم للآخرين دون أن ينتظر شيئًا منهم، ويصلهم إن قطعوه، فهو الغني بالله وليس بالناس، ولأنه محسن مع الله تعالى وجد السهولة في الإحسان الناس، وقال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”.

والإحسان من الصفات التي اتصف بها الله سبحانه وتعالى، فهو صاحب المنة والفضل على كل ما خلق في الكون، وكما أنعم الله على عباده بنعم لا تعد ولا تحصى فهو الذي يعفو عمن أساء، ويغفر الذنوب، وهو الذي خلق الإنسان في أحسن صورة وأحسن إليه عندما كان جنينًا في بطن أمه حتى صار شيخًا كبيرًا، وأوصى الله سبحانه وتعالى الأبناء ببر الآباء حينما يكبرون، كما أمر الله عباده بالإحسان؛ لأنّه أحسن إليهم، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: “وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ”، والإحسان يعد أرقى منازل العبودية وروح الإسلام ولب الإيمان، ويشمل لجميع الأقوال والافعال.

كيفية الوصول لدرجة الإحسان

ومن أراد أن يصل لدرجة الإحسان التي تحقق حب الله تعالى، عليه المباردة للقيام بأعمال ورد ذكرها في القرآن الكريم، وكلما حرص العبد على تلك الاعمال وأكثر منها، كان ذلك من الأفضل له، ونرصد في النقاط التالية تلك الاعمال بشكل مفصل..

  • الإنفاق: وهو بل المال في سبيل الله تعالى، حيث يقول الله في كتابه الكريم: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” والمقصود بالانفاق الذي يطلبه الله تعالى في هذه الآية من عباده هو الإنفاق المتوسط، ففي الانفاق طاعة لله تعالى وتزكية للنفس وتدريبها، وبه مساندة ومساعدة للناس.
  • التقوى: والمداومة عليها تؤدي بالعبد إلى وصوله لمرتبة الإحسان، حيث قال الله تعالى: “لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، والمقصود من التقوي في الآية السابقة العمل على الحذر من غضب الله تعالى وعقابه وناره، وذلك بالمداومة على العمل الصالح الذي يعد حاجزًا بين العبد والنار، فالعمل الصالح وطاعة الله واجتناب نواهيه تقي العبد من النار.
  • مجاهدة النفس وكظم الغيظ والعفو، وذلك ليس بالامر اليسر عليها، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، والعفو والصفح يتمثل في عدم الإساءة لمن يقدم على الإساءة لأنه بذلك قد يكون قدم ما لديه وزيادة.

درجات الإحسان 

الإحسان يطلق على أمرين، أحدهما الإحسان إلى الآخرين، والثاني الإحسان في الفعل، والإحسان من أعلى المنازل حيث يعد أعلى منزلة من العدل لأن العدل يعطي الإنسان ما عليه وأخذ ما له، لكن الإحسان فهو يقدم للإنسان أكثر مما عليه، وأخذ أقل مما له، لذلك كان ثواب المحسنين أعلى درجة، وفيما يلي بيان أحوال العبد مع الله كما قسمها العلماء..

حال المكاشفة

وهي من أعلى مراتب الإحسان، والمعنى المذكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أن تعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراه”، وهي أيضًا أعلى مراتب الإخلاص لله تعالى، فالعبد لا يرى في ذلك الكون سوى الله عزّ وجلّ، فيفتح الله عليه من الفتوح، ويشغله بها، فلا يفرغ لأن ينشغل بغيرها، وهذه المرتبة قد وصل إليها الأنبياء، والصالحين، والصحابة، والتابعين بإحسانٍ، ومن ذلك ما كان يحصل مع رسول الله، فيطلعه الله على الغيب، فيصفه النبي لمن حوله، كأنّه عياناً أمامه، كما وصف بيت المقدس للمشركين، في صبيحة ليلة الإسراء والمعراج، ومن ذلك أيضاً العلم بما أخبر الله به ممّا كان في الماضي، وما سيكون في المستقبل، وما هو في الحاضر، ومثل ذلك ما جاء في القرآن من آيات الوعد، والوعيد، والقصص، وأحوال الجنة والنار، ومن ذلك أيضاً العلم بما أمر الله به، من الأمور المتعلّقة بالقلوب والجوارح، وذلك العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان، وقواعد الإسلام، وما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة.

حال المراقبة

وهي المذكرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فإنَّكَ إن لا تراهُ فإنَّه يراكَ”، وتلك المرتبة من الإخلاص لا تأتي دونها أيّ مرتبةٍ، فإن العبد إذا تجاوزها في أعماله، وفقد مراقبة الله له؛ فَسد عمله، وتعد بمثابة الحالة الوسطى بين الرياء والإخلاص، فالإخلاص واجبٌ على المسلم، في كلّ عملٍ يقوم به، وقد خشي رسول الله على المسلمين من الوقوع في الرياء، فكان يقول: “إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ، فسُئل عنه، فقال: الرياءُ يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ للمرائين: اذهبوا إلى ما كنتم تُراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندَهم مِن جزاءٍ؟”.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال