جذور التوتر المزمن و الاكتئاب.. هذا ما توصل إليه الباحثون


 

تقدم دراسة أجريت على الفئران أدلة حول الأصول الجزيئية الشائعة لـ التوتر المزمن و الاكتئاب.

و يمكن أن يساعد هذا الاكتشاف في إيجاد علاجات جديدة لاضطرابات المزاج mood disorders.

فمنذ ملايين السنين ، طور أسلافنا الاستجابات الفيزيولوجية اللازمة للبقاء على قيد الحياة في مواجهة التهديدات المفاجئة من المنافسين و الحيوانات المفترسة.

و يؤدي إطلاق الهرمونات ، بما في ذلك الإيبنفرين epinephrine (الأدرينالين adrenaline) و النورأدرينالين noradrenaline  (النوربينفرين norepinephrine) و هرمون الكورتيزول الستيرويدي steroid hormone cortisol، إلى إثارة استجابات التوتر هذه "للقتال أو الهروب".

و مع ذلك ، فإن التوتر المستمر أو المزمن chronic stress الذي لا يحل عندما يمر التهديد المباشر هو عامل خطر رئيسي لتطوير اضطرابات المزاج مثل القلق و الاكتئاب.

و يمكن أن تؤدي التجارب المؤلمة ، على سبيل المثال ، في القتال العسكري ، إلى الإضرار بقدرة الجسم على تنظيم استجاباته لـ التوتر ، مما يتسبب في اضطراب ما بعد الصدمة.

من ناحية أخرى يعاني الأشخاص المصابون بهذه الاضطرابات المزاجية من ارتفاع غير طبيعي و مستمر في مستويات هرمون التوتر ، مما يعرضهم لخطر متزايد للإصابة بأمراض القلب و الأوعية الدموية.

لذلك فقد اشتبه باحثون في معهد كارولينسكا Karolinska Institutet في ستوكهولم ، السويد ، في أن بروتيناً يسمى p11 يلعب دوراً محورياً في تثبيط استجابات التوتر و الإجهاد في الأدمغة السليمة بعد مرور تهديد حاد.


زيادة إشارة السيروتونين

وجد الباحثون في بحثهم السابق أن p11 يعزز تأثير هرمون السيروتونين ، الذي ينظم الحالة المزاجية و له تأثير مهدئ.

و قد تم العثور على مستويات منخفضة بشكل غير عادي من p11 في أدمغة الأشخاص المصابين بالاكتئاب و لدى الأفراد الذين ماتوا منتحرين.

كذلك تظهر الفئران ذات المستويات المنخفضة من p11 الاكتئاب و السلوكيات الشبيهة بالقلق.

بالإضافة إلى ذلك ، هناك ثلاث فئات مختلفة من مضادات الاكتئاب فعالة في البشر تزيد من مستويات هذا البروتين في أدمغة الحيوانات.

أما الآن فقد اكتشف باحثو كارولينسكا أن انخفاض مستويات p11 في أدمغة الفئران يجعل الحيوانات أكثر حساسية للتجارب المثيرة للتوتر.

أيضاً فقد أظهر العلماء أن البروتين يتحكم في النشاط في مسارين متميزين لإشارات الإجهاد في الدماغ.

إنه لا يقلل فقط من إطلاق الكورتيزول عبر مسار واحد و لكن أيضاً الأدرينالين و النورادرينالين عبر المسار الآخر.

يقول المؤلف الأول فاسكو سوزا Vasco Sousa: "نعلم أن الاستجابة غير الطبيعية للضغط يمكن أن تؤدي إلى حدوث الاكتئاب أو تفاقمه و تسبب اضطراب القلق و أمراض القلب والأوعية الدموية".

"لذلك ، من المهم معرفة ما إذا كانت الصلة بين نقص البروتين p11 و الاستجابة لـ التوتر التي نراها في الفئران يمكن رؤيتها أيضاً في المرضى."

و الدراسة ، التي نُشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي Molecular Psychiatry ، كانت تعاوناً بين معهد كارولينسكا و الباحثين في جامعة Vrije Universiteit Amsterdam في أمستردام ، هولندا.


الفئران المعدلة وراثياً

و للتحقق من دور p11 في الاستجابات للتوتر ، قام العلماء بتربية فئران "معدلة وراثياً" “knockout mice" و التي تفتقر إلى الجين الذي يصنع هذا البروتين.

و قارنوا سلوكهم مع الفئران العادية باستخدام مجموعة متنوعة من الاختبارات القياسية. و يشير هؤلاء إلى أن أولئك الذين ليس لديهم p11 يعانون من ضغوط و قلق متزايد.

على سبيل المثال ، في أحد الاختبارات ، تم فصل صغار الفئران عن أمهاتهم لمدة 3 ساعات في اليوم.

و وجد الباحثون أن الجراء (صغار الفئران) التي تفتقر إلى p11 تنتج نداءات استغاثة عالية النبرة ، تُعرف باسم النطق بالموجات فوق الصوتية ultrasonic vocalizations ، مقارنة بالجراء العادية.

و في اختبار آخر للسلوك الشبيه بالقلق ، أعطى الفريق الفئران البالغة خياراً لقضاء الوقت في منطقة مضاءة بشكل ساطع أو مكان مظلم.

و قد اختارت الفئران التي كانت ناقصة في p11 قضاء وقت أقل في المنطقة ذات الإضاءة الساطعة مقارنة بالفئران العادية.

بالإضافة إلى ذلك ، استغرقت معدلات ضربات القلب وقتاً أطول للعودة إلى طبيعتها بعد التحفيز المسبب للتوتر.

و كذلك فقد راقب العلماء أيضاً مستويات هرمون التوتر في الحيوانات ، و كشفوا عن فرط النشاط في مسارين مختلفين للضغط في الفئران التي تفتقر إلى p11.

أحد هذه المسارات ، يسمى المحور الودي - الكظري - النخاعي (SAM) ، مسؤول عن الارتفاع الفوري في الأدرينالين و النورادرينالين الذي يحدث في المواقف المخيفة ، مما يؤدي إلى تغيرات فيزيولوجية مثل زيادة معدل ضربات القلب.

أما المسار الآخر ، و المعروف باسم محور ما تحت المهاد - الغدة النخامية - قشر الكظر (HPA hypothalamus-pituitary-adrenocortical) ، فيستجيب بسرعة أقل قليلاً و يؤدي إلى إطلاق الكورتيزول. 

يرفع هرمون التوتر مستويات السكر في الدم ، من بين التغيرات الأيضية الأخرى ، و يثبط الوظائف التي لا يحتاجها الجسم للاستجابة للقتال أو الهروب.


علاجات أفضل؟

يمكن أن تفيد النتائج في تطوير عقاقير أكثر فعالية لاضطرابات المزاج ، مثل القلق و الاكتئاب ، و التي تعالج مستويات التوتر المزمن.

يقول بير سفينينغسون Per Svenningsson ، كبير مؤلفي الدراسة الجديدة: "يتضمن أحد الأساليب الواعدة إعطاء عوامل تعزز التعبير الموضعي لـ p11 ، و يتم إجراء العديد من التجارب بالفعل على نماذج حيوانية للاكتئاب".

و يضيف أيضاً: "هناك نهج آخر مثير للاهتمام يحتاج إلى مزيد من البحث و هو تطوير عقاقير تمنع بدء استجابة هرمون التوتر في الدماغ."

و من الجدير بالذكر أن جميع الأبحاث التي أجريت حتى الآن في هذا المجال الجديد الواعد تتضمن نماذج حيوانية لـ التوتر و القلق و الاكتئاب ، بدلاً من النماذج البشرية.

إلا أنه مع توفير أدلة مفيدة لتطوير الأدوية ، فقد لا تعكس الدراسات المعملية على الحيوانات التفاعل المعقد للعوامل الاجتماعية و البيئية و البيولوجية التي تشارك في تطور المرض العقلي لدى البشر.




أحدث أقدم

نموذج الاتصال