قد يكون الاستقلاب الغذائي " الأيض " قادراً على التنبؤ بـ الاكتئاب الشديد


 

لاشك أن الاكتئاب يختلف من شخص لآخر من حيث تأثيره على هذا الشخص  .

فبينما يعاني ما يقرب من حوالي 17.3 مليون بالغ في الولايات المتحدة من نوبة اكتئاب كبرى واحدة على الأقل في السنة ، فإن خطر تكرارها يختلف.

و قد وجدت دراسة أجريت عام 2012 في مجلة الطب النفسي Psychological Medicine أن خطر تكرار الاضطراب الاكتئابي الكبير depressive disorder كان بمعدل 13.2% بعد 5 سنوات ، و سيكون 23.2% بعد 10 سنوات ، و 42.0% بعد 20 عاماً.

و تميل الإناث إلى المعاناة من أعراض الاكتئاب أكثر من الذكور ، و ذلك وفقاُ لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

و في حين استبعدت دراسة حديثة لشركة الحدود في علم الوراثة Frontiers in Genetics علم الوراثة كتفسير لعدم المساواة بين الجنسين في الاكتئاب ، إذ أن هناك عوامل خطر أخرى خاصة بالجنس .

و قد وجدت دراسة أجريت عام 2015 في مجلة الاضطرابات العاطفية Journal of Affective Disorders  أن القلق وأعراض الاكتئاب ، وتجربة أحداث سلبية في الحياة ، وعدم الزواج ، والمشاكل المالية والصداقة كانت عوامل خطر لتكرار أعراض الاكتئاب الرئيسية لدى النساء.

إذ قد تؤدي أحداث الحياة المسببة للتوتر ، مثل جائحة كوفيد19 COVID-19 المستمرة ، إلى الانتكاس إلى نوبة اكتئاب.و لهذا السبب ، سيكون من المفيد لكل من الفرد والطبيب معرفة وقت حدوث تكرار النوبات .

وقد نظر فريق دولي من الباحثين في دراسة تجريبية جديدة ظهرت في مجلة الطب النفسي الحركي Translational Psychiatry ، إلى المستقلبات metabolites كأداة محتملة للتنبؤ بخطر التكرار (تكرار النوبات).


تصميم الدراسة التجريبية :

ضمت الدراسة حوالي 68 مريضاً تتراوح أعمارهم بين 35 و 65 عاماً ممن ظهرت عليهم أعراض اكتئاب كبرى متكررة major depressive symptoms ،وكانوا خاليين من الأدوية لمدة 4 أسابيع أو أكثر في وقت الدراسة.

كما ضمت الدراسة أيضاً 59 مشاركاً لم يكن لديهم اكتئاب مطلقاً ليكونوا بمثابة ضوابط.

و لم يشمل البحث أي شخص لم يكن في حالة سكون مستقرة ، أو كان يعاني من اضطراب تعاطي الكحول أو تعاطي المخدرات ، أو كان يعاني من مرض ثانوي ، مثل القلق ، أو اضطراب الشخصية الحاد severe personality disorder ، أو أعراض الذهان أو الاضطراب ثنائي القطب psychosis or bipolar disorder .

و قد نظر الباحثون في حالة الاستقلاب الغذائية الحالية لكل مشارك. حيث وجدوا أنه و من بين 612 مستقلباً محتملاً ، هناك 399 في بلازما الدم لكل من الذكور والإناث.

و بعد ذلك ، قاس الباحثون أعراض الاكتئاب لدى المشاركين باستخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders ، الإصدار الرابع (DSM-4)  و مقياس هاملتون لتصنيف الاكتئاب Hamilton Depression Rating Scale - وهو مقياس مستخدم على نطاق واسع لتقييم الاكتئاب.

ثم تابعوا مع المشاركين كل 4 أشهر لمدة وصلت إلى 2.5 سنة. و قد استخدموا الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-4 لقياس تكرار الاكتئاب ، والذي يعرفه بأنه يعاني من خمسة أعراض اكتئابية أو أكثر لمدة أسبوعين على الأقل.


نوعا المستقلبات " الأيض " الرئيسية :

بعد مرور 2.5 عام ، أظهرت النتائج تغيراً في عملية الاستقلاب الغذائية لدى أولئك الذين يعانون من اضطراب اكتئابي رئيسي متكرر.

و مقارنة بالبالغين الذين ليس لديهم تاريخ من الاكتئاب ، فقد اختلفت المستقلبات بنسبة 39.1%.

أما في المشاركات الإناث ،فقد شكلت المستقلبات حوالي 43.7 % من الفرق في المظهر الجانبي بين أولئك الذين يعانون من تكرار وبدون تكرار.

و تتضمن غالبية علامات الاستقلاب الغذائي لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب اكتئابي رئيسي متكرر تكسير الدهون. و قد كان لدى الإناث حوالي 80% من تشوهات الدهون ، بينما كان لدى الذكور حوالي 70%.

و كتب المؤلفون:"لقد كانت المسارات الدهنية الثمانية الأكثر تضرراًهي الفوسفوليبيدات phospholipids    ، والأحماض الدهنية fatty acids ، والكارنيتين الأسيل acyl-carnitines ، و الكارديوليبينات cardiolipins ، و فئتين من السفينغوليبيدات sphingolipids  (السيراميد ceramides والسفينغوميلين sphingomyelins ) ،والإيكوسانويد eicosanoids، والأحماض الصفراوية  bile acids، و الستيرولات sterols  والمنشطات غير التناسلية nongonadal steroids ".

كما أثر الاضطراب الاكتئابي الكبير المتكرر بشكل كبير على المسار الخلوي الذي يؤدي إلى تكسير مركب عضوي يسمى البيورين purine .

و قد وجد الباحثون أن هناك هناك نوعان من المستقلبات - السفينغوميلين sphingomyelins  و الفوسفوليبيد phospholipids  - لديها القدرة على أن تكون أداة تنبؤية لكل من الذكور والإناث.

و عند التنبؤ بمخاطر التكرار في المستقبل ، أظهر الذكور والإناث انخفاضاً في 2′-hydroxy sphingomyelins ، trihexosylceramides ، و phosphatidylcholine lipids - حيث كانت الكميات المنخفضة من هذه المستقلبات تنبئ بنسبة 80 % من خطر التكرار.

لقد كان هناك 33 مستقلباً في المشاركات الإناث يمكن أن يتنبأ بخطر التكرار ، مع 82 % من هذه الأيضات عند مستويات أعلى تقلل من خطر التكرار.

لذا فإن وجود مستويات منخفضة من الـ ميثيل سيستئين methylcysteine  في الدم يعد أقوى مؤشر على التكرار من 1.1 إلى 2.3 سنة. و من المستقلبات الأخرى التي يمكن أن تتنبأ بخطر التكرار نوعان من الدهون يسمى ليسوفوسفاتيديل كولين lysophosphatidylcholine وحمض الأراكيدونيك arachidonic acid، والذي يقترح المؤلفون أنه عادة ما يكون بسبب التوتر .

أما في المشاركين الذكور ، فقد توقع 17 مستقلبًا خطر التكرار ، حيث كان دهن الإيكوزانويد eicosanoid lipid وحمض 15 هيدروكسي إيكوساتيترينويك 15-hydroxyeicosatetraenoic acid  من أهم المؤشرات. و قد  انخفص لدى أولئك الذين لديهم مستويات أعلى من الإيكوسانويد eicosanoid و البيتا كاروتين beta-carotene خطر التكرار.

و في المقابل ، زاد الألانين alanine  و الألانتوين allantoin  من خطر التكرار. و يقترح المؤلفون أن هذين المستقلبين يمكن أن يكونا مؤشرات على التوتر لأنهما علامات لخلل وظائف الميتوكوندريا mitochondrial dysfunction والإجهاد التأكسدي oxidative stress.. و بشكل عام ، أدت زيادة مستويات 14 من المستقلبات المحددة إلى تقليل خطر التكرار.

و  كتب مؤلفو الدراسة يقولون :" إن تشوهات الدهون Lipid abnormalities شكلت 60-70% من التأثير الأيضي الكلي. و قد كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو اكتشاف أن التحليل الأيضي كان قادراً على كشف بصمة كامنة لخطر التكرار في المستقبل بدقة 90-99% ".


قيود الدراسة :

قد يكون حجم العينة قد أثر على نتائج البحث ، حيث كان عدد الذكور المسجلين في الدراسة أقل من الإناث. لذا ، يقترح المؤلفون أن هناك حاجة لدراسة التحقق من صحة ما لا يقل عن 198 أنثى و 198 ذكر لتأكيد النتائج.

و في حين أن الدراسة لاحظت فقط الاستقلاب الغذائي للمشاركين عندما كانوا في حالة سكون و استقرار خالية من مضادات الاكتئاب antidepressant-free remission ، أعاد خمسة أفراد تناول مضادات الاكتئاب بعد المتابعة.

و قد لا يكون الاستقلاب  الغذائي الأدنى للأشخاص الذين كانوا يتناولون الدواء قابلاً للتعميم على السكان الفعليين. حيث كشف موجز سي دي سي CDC لعام 2017 أن استخدام مضادات الاكتئاب ارتفع من 1999 إلى 2014 ، حيث تناول 25 % من الأشخاص الأدوية المضادة للاكتئاب لمدة 10 سنوات أو أكثر.

كما وجدت دراسة أجريت عام  2020  أيضاً في مجلة بلوز ون  PLOS ONE أن تناول بعض مضادات الاكتئاب ، مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية  selective serotonin reuptake inhibitors ، يمنع تكرار نوبات الاكتئاب.

أخيراً ، فقد حذفت الدراسة الأشخاص الذين يعانون من نوبة واحدة فقط من اضطراب الاكتئاب الشديد ، والتي يقترح المؤلفون أنها يمكن أن تكون وسيلة محتملة للبحث حيث يمكن أن تؤثر عملية الاستقلاب الغذائي لديهم على ملفاتهم منخفضة المخاطر.


قد تكون المؤشرات الحيوية الأيضية تنبؤية :

وجد الباحثون أن التغيرات في عملية الاستقلاب الغذائي مرتبطة بزيادة أو انخفاض تكرار نوبات الاكتئاب الرئيسية في هذه الدراسة التجريبية.

ويقول كبير المؤلفين روبرت ك.نافيو Robert K. Naviaux ، الحاصل على درجة الدكتوراه في الطب ، أستاذ الطب وطب الأطفال وعلم الأمراض في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان دييغو University of California San Diego School of Medicine :

"لقد كشفت النتائج عن توقيع كيميائي حيوي أساسي في [الاضطراب الاكتئابي الكبير المتكرر recurrent major depressive disorder ] المتحول والذي يميز المرضى المشخصين عن الضوابط الصحية "، كما يضيف الدكتور نافيو Naviaux : "إن هذه الاختلافات غير مرئية من خلال التقييم السريري العادي".

و في حين تعد دراسات التحقق ضرورية ، إلا أن المؤشرات الحيوية الأيضية تساعد  في تقييم احتمالية إصابة المريض بنوبة اكتئاب أخرى.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال